هل تدمّر المقارنات رحلتك؟ كيف توقف مقارنة جسمك بالآخرين وتستعيد تركيزك؟

في عالمٍ تتزاحم فيه الصور المثالية والنماذج المتناسقة على صفحات التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل أن تنظر إلى جسدك وكأنه غير كافٍ. ترى أحدهم يرفع أوزانًا ضخمة، وآخر يمتلك عضلات بارزة وبشرة خالية من العيوب، وتبدأ المقارنة: "لماذا لستُ مثله؟"، "هل أتمرّن بجهد كافٍ؟"، "هل جسدي فاشل؟".

لكن الحقيقة الصادمة؟ المقارنات المتكرّرة ليست دليلًا على الطموح… بل غالبًا ما تكون أحد أكبر أسباب الفشل والتشتّت.

هذه الفقرة هي بداية الطريق لكشف هذا الفخ النفسي الخفي، وتعلّم كيف تحرّر نفسك منه لتستعيد تركيزك، وتعود لمكانك الصحيح: معركتك مع ذاتك، لا مع الآخرين.

تاثير المقارنات المستمرة

لماذا نقارن أنفسنا بالآخرين؟

المقارنة ليست ضعفًا، بل سلوك بشري طبيعي نحاول من خلاله تقييم مكاننا في العالم. منذ الطفولة، تعلّمنا أن نُقارن: في المدرسة، في الرياضة، وحتى في الحياة الاجتماعية. لكن في العصر الرقمي، تحوّلت المقارنة من وسيلة للفهم إلى مصدر ضغط نفسي دائم.

منصات التواصل الاجتماعي تجعلنا نرى النسخة المعدّلة والمثالية من حياة الآخرين — زوايا تصوير مدروسة، إضاءة محسّنة، أجسام في ذروة الضخامة العضلية، وغالبًا نتائج لم تُبْنَ في يوم وليلة.

لكن لأننا نراها يوميًا، نعتقد أن "هذا هو الطبيعي"... وهنا تبدأ المشكلة. تبدأ برؤية نجاحهم، وتنتهي بشكّك في ذاتك.

💡 ذات صلة: الاستمرارية أهم من المثالية: سر التقدّم الحقيقي في الصحة والحياة

كيف تدمّر المقارنات رحلتك؟

المقارنة ليست مجرّد فكرة عابرة، بل قد تتحوّل إلى قيد خفي يشلّ تقدمك. حين تُقارن جسدك بغيرك باستمرار، تبدأ برؤية نفسك من منظور العجز، لا من منظور الإمكانيات.

تبدأ أفكار مثل:

أنا لست جيدًا بما يكفي، مهما فعلت، لن أصل لمستواه،ربما هذا المجال ليس لي أصلاً ومع الوقت، تتسرّب هذه الأفكار إلى سلوكك:

- تفقد حماسك للتمرين.

- تتوقف عن الالتزام بالتغذية.

- تقلّل من قيمة إنجازاتك الصغيرة.

- وربما... تنسحب تمامًا.

والأخطر؟ أنك تُقلّد خطط غيرك دون أن تكون مناسبة لك، مما يؤدي إلى نتائج عكسيّة، ثم المزيد من الإحباط.

💡 المقارنة لا تدفعك للأمام، بل تزرع فيك وهم النقص... وتُطفئ نار الاستمرارية.

لماذا يتقدّم غيرك رغم أنكما بدأتُما في الوقت نفسه؟

أحيانًا تبدأ مشوار التمرين مع أحد أصدقائك، تسيران معًا في نفس الخطة، وبنفس الحماسة. لكن بعد أسابيع أو أشهر، تُفاجأ بأنه تقدّم بشكل ملحوظ: عضلاته أوضح، شكله تغيّر، طاقته أعلى… فتشعر بمزيج معقّد: الفرح له... والحيرة تجاه نفسك.

وقد تبدأ تتساءل: "هل أنا أتمرّن بطريقة خاطئة؟"، "لماذا لا أحقق نفس النتائج؟"، "هل هناك شيء ناقص؟"

والحقيقة؟ نعم، هناك عوامل كثيرة تؤثر على سرعة التقدّم. وهذه أهمها:

🟩 1. الجينات: العامل الحاسم الأول: الجينات تتحكم بأمور عديدة لا تراها بالعين المجردة، مثل:

معدل تخليق البروتين العضلي بعد التمرين.

مستويات التستوستيرون الطبيعية في الجسم.

نوع الألياف العضلية (بطيئة أم سريعة الانقباض).

وحتى طريقة توزيع الدهون ومكان ظهور العضلات أولًا.

💡 هناك من يمتلك "قاعدة بناء" أسرع… دون أن يبذل مجهودًا أكبر منك.

🟩 2. الظروف النفسية والحياتية: إذا كنت تمرّ بفترة صعبة نفسيًا — قلق، ضغط، حزن — فلن تستطيع دفع نفسك بقوة في التمرين. وغالبًا:

- لا تصل لتكرارات قريبة من الفشل.

- تتشتت أثناء التمرين.

- لا تعتني بالتكنيك بالشكل الكافي.

وهذا ينعكس على النتائج بشكل مباشر.

🟩 3. التغذية والراحة: قد تكون تغذيتك غير كافية بسبب ميزانية محدودة أو نمط حياة مزدحم.

ربما لا تنام عدد ساعات كافٍ لتعافي العضلات.

أو لا تملك وقتًا لإعداد وجبات مناسبة، بسبب دوام عملك الطويل أو طبيعة حياتك اليومية.

🟩 4. الاستمرارية والانضباط خلف الكواليس: صديقك ربما لم يتوقف يومًا عن التمرين، لم يُفوّت وجبة واحدة، واستمر حتى في الأيام الصعبة… بينما أنت اضطررت للغياب ليوم أو يومين، أو أخذت استراحة بسبب ظرف معيّن.

🟩 5. المكملات أو الدعم غير المُعلن: لا يمكننا تجاهل حقيقة أن بعض الأشخاص يستخدمون مكملات محسّنة، أو حتى منشطات، دون أن يصرّحوا بذلك. فيظهرون بمظهر المتقدّم السريع، بينما أنت تمشي الطريق الطبيعي.

خاتمة

أحيانًا تبدأ مشوارك مع أحدهم في نفس اليوم، بنفس الخطة، ونفس الحماسة… لكن مع الوقت، تجد أنه تقدّم عليك بمراحل. تشعر بفرح صادق لأجله، لكن في داخلك سؤال يلحّ: "لماذا لست مثله؟"

وهنا تتعلم درسًا إنسانيًا عميقًا: المقارنة تظلمك… لأنك لا ترى الصورة الكاملة.

قد يملك غيرك جينات تمنحه أفضلية. قد تكون ظروفك النفسية أو الحياتية أكثر تعقيدًا. ربما لا تحصل على الراحة الكافية، أو تمرّ بظروف لا يعلمها أحد. وربما... تتقدّم أنت ببطء، لكن بثبات، وبصدق، وبدون دعم اصطناعي.

لهذا السبب، قِس نجاحك على ظروفك. قِس قوتك بما تجاوزته، لا بما بلغه الآخرون.

فأنت لست مطالبًا بأن تكون "مثلهم"، بل بأن تكون أفضل نسخة ممكنة من نفسك... مهما طال الطريق.

أسئلة شائعة

1. هل المقارنة دائمًا أمر سلبي؟
ليست دائمًا سلبية. أحيانًا يمكن أن تلهمك وتدفعك للأمام، لكن إذا بدأت تؤثّر على احترامك لذاتك أو تشعرك بالإحباط، تصبح ضارّة جدًا.
2. لماذا يتقدّم غيري بسرعة أكبر رغم أننا بدأنا في الوقت نفسه؟
لأن كل شخص يختلف في جيناته، نومه، ضغوطه النفسية، أسلوب حياته، وحتى استجابته للتمارين والتغذية. لا مجال للمقارنة الدقيقة.
3. كيف أتخلّص من عادة مقارنة نفسي بالآخرين؟
عن طريق مراقبة المحتوى الذي تتابعه، تذكير نفسك بتقدّمك الشخصي، تقبّل بطء التطوّر أحيانًا، والتركيز على رحلتك الخاصة دون تقليد أحد.
4. هل تؤثر الجينات فعلًا على بناء العضلات؟
نعم بشكل كبير. الجينات تتحكم بسرعة تخليق البروتين، مستويات التستوستيرون، نوع الألياف العضلية، وطريقة استجابة الجسم للتمارين.
5. كيف أستعيد ثقتي بنفسي بعد الإحباط الناتج عن المقارنة؟
ابدأ بتقدير إنجازاتك الصغيرة، احتفل بتطوّرك مهما كان بسيطًا، وذكّر نفسك أن التقدّم الحقيقي لا يُقاس بأحد سواك.

ليست هناك تعليقات