تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على هوس اللياقة والصورة الجسدية

في زمن تهيمن فيه الصور المثالية على شاشات هواتفنا، أصبح من السهل الوقوع في فخ المقارنات المستمرة. نظرة سريعة على إنستغرام أو تيك توك كفيلة بأن تجعلك تشعر أن الجميع يمتلك أجسامًا منحوتة، بطونًا مشدودة، وروتين حياة مثالي... إلا أنت.

لكن ما لا يظهر في هذه الصور هو الحقيقة الكاملة:

الزوايا المُختارة، الإضاءة، الفلاتر، وحتى أحيانًا التعديل الرقمي. والأخطر من ذلك؟ أن هذه الصور أصبحت تؤثر على طريقة رؤيتنا لأنفسنا، وعلى علاقتنا بالطعام، والتمرين، وحتى بالثقة بالنفس.

في هذا المقال، سنغوص في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على مفهوم اللياقة، ونكشف الجانب المظلم من “المثالية الصحية” التي قد تتحول إلى هوس مدمّر.

وسائل التواصل الاجتماعي والفتنس
في البداية، يكون التفاعل بريئًا: إعجاب بصورة، متابعة حساب لمدرب لياقة، أو حفظ فيديو تمرين بسيط. لكن مع الوقت، يتحول المحتوى المعروض إلى نسخة واحدة مثالية من "الجسم المثالي"، ويتم الترويج لها على أنها الهدف الطبيعي للجميع.

خوارزميات التطبيقات مثل إنستغرام وتيك توك تعرض باستمرار نفس النمط من الصور: عضلات مشدودة، خصور نحيفة، بشرة مثالية، وأسلوب حياة لا تشوبه شائبة. وهنا تبدأ المقارنة… ولو بشكل غير واعٍ.

وتدريجيًا، تبدأ هذه الصور تؤثر على علاقتك بجسمك:

🟩 شعور بالنقص حتى لو كنت بصحة ممتازة

🟩 رغبة في تقليد نمط لا يناسب حياتك أو تركيبتك

🟩 اللجوء لتمارين قاسية أو أنظمة غذائية غير مناسبة

الجانب المظلم: من التحفيز إلى الهوس

رغم أن وسائل التواصل قد تبدو مصدرًا للإلهام، إلا أنها كثيرًا ما تتحول إلى فخ نفسي خطير. فما يُروّج على أنه "تحفيز" قد يكون في الحقيقة تغذية لهوس غير واقعي بالجسم المثالي.

أغلب الصور التي تظهر رياضيين محترفين بأجساد منحوتة ودقة تفصيل مذهلة – لا تمثل الواقع اليومي لأغلب الناس. هؤلاء الرياضيون ينتمون إلى نخبة كمال الأجسام، يعيشون نمط حياة صارم، ويستعدون لبطولات… وغالبًا يتم التقاط صورهم تحت إضاءة مثالية وبعد تحضيرات دقيقة.

لكن عند عرض هذه الصور في سياق يومي دون توضيح، يبدأ العقل اللاواعي بالمقارنة… فتشعر وكأنك بعيد جدًا عن "المعيار"، حتى لو كنت بصحة ممتازة.

وهكذا يتحول المحتوى من محفّز إلى مثبط، ومن دعم نفسي إلى مصدر ضغط داخلي وخيبة مستمرة.

كيف تتصالح مع صورتك الذاتية... دون أن تنكر المقارنة

كثيرًا ما نسمع نصائح من قبيل "لا تُقارن نفسك بالآخرين"، لكنها في الحقيقة تبدو غير واقعية في عالم تمتلئ فيه الشاشات بصور لأجسام مثالية، وإعلانات تُصدّر نمطًا واحدًا للجمال والنجاح البدني.

بل إننا أحيانًا نُصنَّف من قِبل من حولنا بناءً على مدى اقترابنا من هذه الصورة النمطية، فتصبح المقارنة أمرًا لا مفر منه، حتى لو حاولنا الهروب منها.

ولهذا، دعني أقول لك شيئًا بصدق: من الطبيعي أن تقارن نفسك، لكن الأهم هو كيف تُقارن.

إن قارنت نفسك برياضي يشبهك من حيث الهدف والظروف، واستلهمت من تقدّمه دافعًا لتطوير نفسك، فهذه مقارنة صحيّة ومحفّزة. أما إن تحوّلت إلى أداة لجلد الذات، أو شعور دائم بأنك لا تفعل ما يكفي، رغم التزامك وتقدّمك، فهنا تبدأ المشكلة.

أعطِ نفسك حقّها. تمرّن بذكاء لا بعنف، زد الحمل على عضلاتك تدريجيًا، كل جيدًا، نم بعمق، وابتعد عن كل من يُشعرك بأنك لست كافيًا.

💡 أنت لست مطالَبًا بأن تبدو كالصور، بل بأن تكون أفضل نسخة من نفسك.

خطوات عملية تساعدك على التعافي وبناء علاقة صحية مع جسمك

🟩 قلّل من متابعة الحسابات التي تُشعرك بالنقص:

اختر محتوى يُلهمك دون أن يضغطك نفسيًا، وابتعد عن الصور التي تُروّج للمثالية المفرطة.

🟩 تابع تقدمك الحقيقي:

لا تعتمد على المرآة فقط. سجّل تمارينك، قوتك، طاقتك، ونوعية نومك… هذه مؤشرات نجاح أكثر دقة من المظهر.

🟩 ذكّر نفسك باختلاف الأجسام:

ما يناسب غيرك قد لا يناسبك. الجينات، نمط الحياة، والظروف تلعب دورًا لا يمكن تجاهله.

🟩 استبدل المقارنة بالتقدير:

بدل أن تقول "لماذا لا أبدو مثله؟"، جرّب أن تقول "أنا فخور بما وصلت إليه، وأطمح للأفضل بأسلوبي".

🟩 أحط نفسك بأشخاص داعمين:

الصديق أو المدرب الذي يشجّعك على الاستمرارية، لا على المثالية، هو مفتاح الثبات.

🟩 خصص وقتًا للراحة النفسية:

ممارسة التأمل، الكتابة، أو حتى المشي بدون هدف… كلّها وسائل تُعيد توازنك وتعزّز تقديرك لذاتك.

خاتمة

أكتر وقت حسّيت فيه بتقدّم حقيقي برحلة لياقتي، كان لما بلّشت أحب التقدّم اللي عم بعمله… ولما كنت فخور بحالي، حتى لو كنت بعدني بأول الطريق.

لما تبلّش تقدّر حالك، هالشي بينعكس على كل شي:

بتصير تتمرّن بتركيز أكتر، بتاكل أكل أنضف، وبتنام أريح. بتبطل تسأل كل لحظة "أنا صح ولا غلط؟"، وبتبلّش تمشي بثقة أكتر.

وإذا كان عندك شك إنك عم تعمل شي غلط… لا تخاف تطلب مساعدة.

الناس ما رح تضحك عليك، بالعكس، رح تحترمك… بس المهم تطلبها من شخص موثوق، شخص بيعطيك المعلومة بحُب وعن علم، مو حدا عم يستعرض عضلاته عليك.

ولو بدك نصيحة صغيرة مني:

تابع ناس طبيعيين، قريبين من تركيبتك، عندهم نفس توجهك وجيناتك… هيك بتفهم حالك أكتر، وبترتاح أكتر، وبتكمل رحلتك بأمان وهدوء.

أسئلة شائعة

1. هل فعلاً تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على علاقتنا بجسمنا؟
نعم، بشكل كبير. المحتوى البصري المتكرر يشكّل صورة غير واقعية عن "الجسم المثالي"، ما يؤدي إلى ضغط نفسي ومقارنة مستمرة تؤثر سلبًا على الثقة بالنفس والعلاقة مع التمرين والأكل.
2. ما الفرق بين التحفيز والمقارنة السلبية؟
التحفيز يعني أن تستلهم من شخص يشبهك وتتطور تدريجيًا، بينما المقارنة السلبية تدفعك للشعور بالنقص والتقصير حتى لو كنت على الطريق الصحيح.
3. كيف أعرف إنني متأثر سلبيًا بالسوشيال ميديا؟
إذا بدأت تشعر أن التمرين عبء، أو أنك دائمًا غير راضٍ عن جسمك رغم الالتزام، أو تقارن نفسك طوال الوقت بالآخرين… فغالبًا أنت متأثر دون وعي.
4. هل المقارنة دائمًا سيئة؟
ليست دائمًا. المقارنة يمكن أن تكون محفّزة إذا كانت ضمن إطار منطقي وشخصي، لكنها تصبح مدمّرة إذا أدت إلى الإحباط والشعور بعدم الكفاية.
5. ما الذي يمكنني فعله لأخفف تأثير السوشيال ميديا؟
تابع محتوى ملهم وواقعي، قلّل من متابعة الحسابات التي تُشعرك بالنقص، وركّز على رحلتك الشخصية وتقدمك الفعلي.

ليست هناك تعليقات